وقَّعت شركة الموانئ الهندية العالمية المحدودة وهيئة الموانئ والملاحة البحرية الإيرانية، في 13 مايو الماضي، عقداً لمدة عشر سنوات لتشغيل محطة «الشهيد بهشتي» في ميناء تشابهار الإيراني، وذلك في إطار الاتفاقية المبرمة لإنشاء ممر النقل والعبور الدولي بين الهند وإيران وأفغانستان، والتي تم الإعلان عنها خلال زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي لإيران في 2016. وبموجب الاتفاقية، ستستثمر نيودلهي حوالي 120 مليون دولار لتطوير وتشغيل الميناء الإيراني، إلى جانب تقديم نافذة ائتمانية بقيمة 250 مليون دولار لتطوير البنية التحتية.

وبرغم العقوبات الأميركية المفروضة على الشركات الإيرانية، والتي عرقلت تطوير ميناء تشابهار منذ 2003، فإن قدرة نيودلهي على تأمين إعفاءات محددة من الجانب الأميركي فيما يتعلق بانخراطها في تطوير الميناء، ستعكس إلى حد كبير حدود تغير توازنات القوى الإقليمية والدولية على خلفية التداعيات الجيوسياسية لتنافس القوى الكبرى المستعر في النظام الدولي. تبرز الأهمية الجيوسيتراتيجية لميناء تشابهار للهند في موقعه الجغرافي، إذ يقع بمقاطعة سيستان وبلوشستان الإيرانية، مطلاً على المحيط الهندي، ويعتبر أكبر ميناء بحري في إيران، وسيعتبر بوابة الهند لدول الشمال، إذ يمكنها من الوصول إلى أسواق آسيا الوسطى، دون المرور بباكستان. وفي حين تقع هذه التحركات ضمن سياسة الهند بتوسيع ممراتها التجارية على غرار «الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا» (IMEC)، يمكن قراءة المشهد بعيداً عن الاعتبارات التجارية، حيث يحمل المشروع طموحات جيوسياسية لنيودلهي في إطار تنافسها مع الصين. فعلى بعد 100 كيلومتر من ميناء تشابهار الإيراني، تستثمر بكين في تطوير ميناء «جوادر» الباكستاني، الذي قد ترى فيه نيودلهي تطويقاً يهدد مصالحها الاقتصادية والسياسية في المنطقة.

وبالتالي، تقع الاتفاقية ضمن تحركات الهند لتعزيز علاقاتها بالمنطقة، من خلال الانخراط المكثف خلال السنوات الماضية في التحالفات الإقليمية التي تقودها الولايات المتحدة في منطقة المحيط الهندي والهادي، على غرار تحالف «كواد» الأمني الذي يضم الهند والولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، والتكتلات الاقتصادية القائمة في المنطقة. وربما يشكل الانخراط الهندي المكثف في هذه المساعي، التي تعتبر ذات أولوية استراتيجية لواشنطن، عاملاً مضاعفاً لتمرير الإعفاءات من الجانب الأميركي، وتحديداً في ظل تأثر مشروع «الحزام والطريق الصيني» في المنطقة، بسبب دخول العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا حيّز التنفيذ، وتأثُّر العديد من ممرات النقل التي كانت تعَوّل عليها بكين في مشروعها.

ولذلك، فإن قدرة الهند على تأمين إعفاءات محددة من واشنطن للاستثمار في هذا المشروع النوعي لإيران، الذي سيكون متنفساً لاقتصاد طهران بعد سنوات من الركود، ستعكس في المقام الأول الاستقلال الاستراتيجي لنيودلهي في رسم مصالحها الاقتصادية بعيداً عن التجاذبات السياسية بين الولايات المتحدة وإيران، ومن جانب آخر، ستعكس المصالح المتبادلة بين واشنطن ونيودلهي، في منافسة ما تعتبره الولايات المتحدة نمواً في النفوذ الصيني بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ورغبتهما في موازنة وجود بكين في تلك المنطقة.

*باحث رئيسي- مركز تريندز للبحوث والاستشارات.